على مدى أكثر من خمس سنوات تقريبا استقرت حدود الحرب السورية حتى اعتقدنا أنها ستثبت على هذا الإطار، أربع حكومات في بلد واحد حكومة الأسد والحكومة المؤقتة التي تدعمها المعارضة وتركيا وحكومة الإنقاذ التي تدعمها هيئة تحرير الشام، وحكومة قسد الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة.
لكن انتفاضة العشائر الأخيرة ضد قسد عادت وخلطت الأوراق من جديد، حيث لم يعد تقبل العشائر العربية بحكم قسد في مناطقها التي تشكل فيها الأكثرية.
وبالرغم من زيارة مسؤولين أميركيين كبار لمحافظة دير الزور الغنية بالنفط بشرق سوريا الأسبوع الماضي في محاولة لنزع فتيل انتفاضة القبائل العربية ضد الحكم الكردي الذي يزعزع الاستقرار في شمال شرقي سوريا. وقد أدى رد الفعل القبلي العربي ضد حكم ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية إلى اشتباكات أسفرت عن مقتل أكثر من 150 شخصا وإصابة العشرات. وتشكل هذه الميليشيا العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والانتفاضة هي أكبر تهديد لحكمها منذ طردت تنظيم داعش أخيرًا من منطقة واسعة في شمال وشرق البلاد في عام 2019.
لقد التقى نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون سوريا إيثان غولدريتش واللواء جويل بي فويل، الذي يرأس التحالف ضد تنظيم الدولة، بزعماء القبائل العربية وقادة قوات سوريا الديمقراطية واتفقوا على “معالجة المظالم المحلية” و”وقف تصعيد العنف في أقرب وقت ممكن”. “وتجنب وقوع ضحايا”. كما ذكر بيان الخارجية الأميركية.
يعود السبب الرئيس في انتفاضة العشائر العربية إلى اعتقال قسد لقائد قبلي عربي منشق الشهر الماضي من قبل قوات سوريا الديمقراطية مما أثار اضطرابات سرعان ما اجتاحت سلسلة من البلدات من البصيرة إلى الشحيل، في حزام نفطي استراتيجي في قلب الأراضي القبلية العربية شرق نهر الفرات.
لقد حرم زعماء القبائل العربية من ثرواتهم النفطية في المنطقة بعد أن اقتصرت قسد على قيادتها وبعد أن وضعت القوات التي يقودها الأكراد أيديها على أكبر آبار النفط في سوريا بعد رحيل تنظيم داعش. كما يشكون من إهمال مناطقهم لصالح المناطق ذات الأغلبية الكردية.
في الحقيقة هذا ما كنا نحذر منه من سنوات من أن الولايات المتحدتة يجب أن لا تعتبر أن قسد يمكنها تحقيق الاستقرار في تلك المناطق وهو ما يفتح الباب أمام تغيير حدود الحرب السورية التي ثبتت على مدى سنوات.
فالحرب السورية علمتنا ألا شيء ثابت وما دام ليس هناك حل سياسي يرضي الأطراف وخاصة الشعب السوري من خلال انتخابات حرة ونزيهة فإن المعادلات على الأرض ستتغير بسرعة كبيرة، فهذا ما كتبته عام 2019 ويبدو أنه يتحقق اليوم بالحرف “فعلى سبيل المثال لن تسمح القبائل والعشائر السورية المحلية بسيطرة قوات كردية على أراضيها في الرقة والتالي علينا مراقبة هذا النزاع المحلي المحتمل بعد انسحاب القوات الأميركية من الرقة، وبالوقت نفسه كان للمعارضة السورية المسلحة قوة وتأثير كبيران في دير الزور منذ عام 2012 وبالتالي لا شيء يمنع من إعادة تجميع نفسها بمساعدة تركية ربما وبدأها لعملية عسكرية لطرد قوات النظام من دير الزور بعد طرد داعش منها”.
وبالتالي يمكن القول إن سياسة الرمال المتحركة ما زالت تحكم الأزمة السورية، إذ لا شيء ثابت طالما أنه لاشيء متفق عليه، وهو ما يدفعنا إلى القول إن خريطة سوريا بعد قوات الحماية الكردية اليوم وداعش قبلها ربما تكون أكثر تعقيداً بعد زوال اللون الأسود من خريطتها، والآن زوال اللون الأصفر من الخريطة قريبا.
رضوان زيادة – تلفزيون سوريا