لقد هلّلت العديد من وسائل الإعلام العربية بإعادة علاقات بعض الحكومات مع نظام دمشق وذلك على أعقاب زلزال السادس من شباط الذي أصاب تركيا وأجزاء كبيرة من شمال غرب سوريا، ثم تحوّل التهليل إلى ما يشبه الوعود ببداية تسوية ذات شقين، الأول يطال تسوية علاقات النظام الأسدي مع الدول العربية فيما يخص تصدير الكبتاغون و تقنين العلاقة مع إيران وميليشياتها، والثاني يطال التسوية السياسية في سوريا، من خلال منهج ما سُمّي ( خطوة مقابل خطوة)، وتكللت تلك التهاليل والوعود بحضور رأس النظام مؤتمر القمة العربي في جدة أوائل أيار الماضي.
وها نحن نشهد اليوم ان القنوات الإعلامية ذاتها التي بدأت بالتهليل لاحتضان نظام الأسد من جانب بعض العواصم العربية تبدأ بما يشبه النواح والتلويح بخيبة الظن التي مُنيَ بها العرب جرّاء الخذلان الذي وجدوه لدى نظام أسد من حيث عدم التزامه بالوعود التي قد قطعها على نفسه، لا من جهة ضبط تصدير المخدرات إلى جيرانه ولا من جهة الاستعداد للدخول في تسوية سياسية للحالة السورية، إذ أشارت صحيفة الشرق الأوسط القريبة من المملكة العربية السعودية في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي إلى امتناع نظام الأسد عن إبداء أي مرونة أو المبادرة بأي إجراء من شانه أن يمهد السبيل لحل سياسي في سورية، كما أشارت الشرق الأوسط أيضاً إلى أن نظام الأسد لم يبادر بأي إجراء من شانه أن يحول دون تدفّق الكبتاغون إلى المملكة الأردنية الهاشمية ومن ثم إلى دول الخليج العربي، كما أشارت الصحيفة ذاتها إلى ان السلطة الأسدية تحاول إملاء شروط تعجيزية يراد منها المزيد من الابتزاز، فمن ذلك مثلاً ان بشار الأسد لم يعد يكتفي بمساعدة الدول العربية لنظامه من اجل عودة اللاجئين وتأمين البنى التحتية اللازمة بل بات يطالب بإخراج ما يسمّيه الاحتلال التركي والامريكي من الأراضي السورية، وذهبت الشرق الأوسط أيضاً إلى استنتاج فحواه أن النظام الحاكم في دمشق ليس بوارد إبداء أي تعاون مع المبادرة العربية التي وضعت أسسها المملكة الأردنية الهاشمية بالتنسيق مع السعودية ومصر وسلطنة عمان، علماً أن الاجتماع الأول للجنة الاتصال العربية المنبثقة عن مؤتمر عمان الوزاري كانت قد التقت وزير خارجية الأسد فيصل المقداد في السادس عشر من آب الماضي، ومع أن اللقاء لم يفض سوى إلى اتفاق حول انتقال اجتماعات اللجنة الدستورية إلى مسقط، ولكن مع ذلك حاولت لجنة الاتصال العربية الإبقاء على شيء من أمل لعل استمرار الجهود المبذولة في الضغط على الأسد تفضي إلى نتيجة ما، ولكن ربما باتت القناعة تتعزّز اكثر فأكثر لدى العديد من العواصم العربية بأن الأسد لا يجيد سوى المزيد من الخداع والابتزاز ولا طائل من الإلحاح في مسار التطبيع مع نظامه.
واقع الحال يؤكد أن جملة ما أوردته صحيفة الشرق الأوسط من شكوك في مصداقية الأسد واستمراره في المراوغة والخداع ربما يبدو أقرب إلى ردة الفعل المفتعلة أو خذلان ساذج قياساً بما يبديه نظام الأسد من وقاحة تفوق توقعات جميع الذين تورطوا باحتضانه، فقبل أن تتفاجأ صحيفة الشرق الأوسط بمواقف الأسد الزائفة والخادعة فقد سمعت جميع العواصم التي جازفت باحتضانه حديثه يوم التاسع من شهر آب الفائت إلى ( قناة سكاي نيوز عربية ) إذ جهر بملء فمه بأن إيقاف الكبتاغون من غزو الدول العربية ليس من مهامّه وليس مطلوباً منه، بل على ( الدول التي ساهمت بإيجاد الفوضى في سوريا أن توقف الكبتاغون) على حدّ تعبيره، فهو إذاً يقولها بكل تأكيد: لن أوقف تصدير المخدرات، وهذا عقابكم الذي تستحقون جرّاء مواقفكم السابقة، فأي خذلان بعد هذا الكلام؟.
أمّا بخصوص مصداقية الأسد حيال العملية السياسية وتنصّله من الوعود التي أعطاها للدول العربية سواء حول عودة اللاجئين أو الإفراج عن المعتقلين أو الالتزام بما تم ترويجه بخصوص خطة ( خطوة مقابل خطوة) فلعلّه من النافل التأكيد على العقم التام لدى نظام الأسد الذي جعل الجميع على يقين بأن الجدوى الوحيدة التي يؤمن بها نظام دمشق هي الحل الأمني ولا شيء سواه، ومن لم يدرك هذه الحقيقة على مدى اثنتي عشرة سنة فهو بالتأكيد في غيبوبة عن المشهد السوري.
يمكن التأكيد بمزيد من الثقة على أن ردّة الفعل العربية التي اتسمت ببعض الاستياء من نظام الأسد نتيجة الخيبة التي أوقعهم فيها، لا تبدو شديدة الأهمية ، بل لا تخرج عن إطار سلبيتها طالما أن الاستياء العربي من نظام التوحّش لم يُترجم على المستوى السياسي أو الميداني، وبالتالي فإن بشار الأسد ليس لديه ما يخسره حيال معظم العواصم العربية نظراً للحصار الأمريكي والأوربي المضروب حوله، ولكن يمكن للعواصم الحانقة على الأسد أن تستدلّ على المواقف الصحيحة حيال حاكم دمشق من السوريين أنفسهم، ودون عناء كبير، عليها فقط أن تتابع الحراك السوري الجديد الذي بدأت به السويداء في العشرين من آب الماضي وتبعتها درعا، وها هو الحراك يتسع يوماً بعد يوم، إذ يؤكد السوريون أن لا نهاية للمأساة السورية إلّا بزوال نظام الأسد، هذه هي الحقيقة التي يجب على العرب جميعاً أن يدركوها، ما يجعل أي مقاربة للقضية السورية بعيداً عن هذه الحقيقة إنْ هي إلّا استمرار لتعزيز المأساة السورية.
الكاتب: حسن النيفي
المصدر: موقع المجلس العسكري السوري